يطرح جوشوا شوفيتز في مقاله المنشور على موقع جويش نيوز سينديكيت رواية تبرّر استبعاد جنوب أفريقيا من قمة شرم الشيخ لوقف إطلاق النار في غزة عام 2025، لكنه يعرضها من زاوية متماهية مع الموقفين الإسرائيلي والمصري على السواء، مقدّمًا الحادثة كدليل على “حكمة القاهرة” و”تهور بريتوريا”، من دون أي إشارة لمسؤولية الاحتلال الإسرائيلي عن الكارثة الإنسانية التي دفعت المجتمع الدولي للتحرك.
ينقل الكاتب عن شخصيات سياسية جنوب أفريقية معروفة بمواقفها اليمينية انتقادات حادة لحكومة بلادهم، مثل توني ليون، الذي سخر من وصف جنوب أفريقيا نفسها بـ“القوة الأخلاقية العظمى”، معتبراً أن سلوكها تجاه إسرائيل “يتنافى مع إرث نيلسون مانديلا”. ويتجاهل شوفيتز في عرضه أن هذه “القوة الأخلاقية” هي ذاتها التي قادت العالم في رفض الفصل العنصري، وهو ما يجعل مواقفها من الاحتلال الإسرائيلي استمراراً طبيعياً لتاريخها في مناهضة الظلم، لا انحيازاً أيديولوجياً كما يلمّح الكاتب.
يصف شوفيتز حكومة جنوب أفريقيا بأنها “أسيرة لجماعة الإخوان المسلمين”، ويربط دعمها لحقوق الفلسطينيين بعلاقات مزعومة مع حركة حماس. يستخدم لغة تحريضية لا تختلف عن الخطاب الإسرائيلي الرسمي، فيتهم شخصيات مثل ناليدي باندور وعمّال الإغاثة إمتياز سوليمان بأنهم جزء من “شبكة قانونية لتمكين الإسلاميين”، متجاهلاً أن تحركاتهم كانت تحت مظلة القانون الدولي، لا الأيديولوجيا.
ينتقل المقال إلى تبرير الموقف المصري، مصورًا رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي كزعيم “يحمي الأمن القومي” من أي محاولة “لاختراق حدوده من المتعاطفين مع غزة”. وفي هذا السياق، يتبنّى الكاتب الخطاب الأمني المصري الذي يُجرّم أي تضامن فعلي مع الفلسطينيين، وكأنّ دعم وقف الحرب تهديد، بينما الصمت عن المجازر “حكمة سياسية”. المفارقة أن المقال يحتفي بموقف القاهرة لرفضها السماح بمسيرة نيلسون مانديلا حفيد الزعيم الراحل نحو معبر رفح، واعتقلته السلطات المصرية ثم رحّلته، وكأنّ قمع التضامن أصبح فعلاً بطوليًا يستحق الإشادة.
يُحاول الكاتب إقناع القارئ بأن استبعاد جنوب أفريقيا من قمة شرم الشيخ كان “ضرورة أمنية”، ويزعم أن وزارة الخارجية الجنوب أفريقية “خضعت لاختراق من عناصر الإخوان”، من دون تقديم أي دليل. هذا الخطاب يكشف انحيازًا واضحًا للرواية الإسرائيلية التي تحاول خلط دعم حقوق الفلسطينيين بالإرهاب، لتبرير تهميش أي صوت دولي يدعو للمساءلة أو العدالة.
يُقلّل شوفيتز من شأن الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، واصفًا إياها بـ“القانون كأداة حرب”، بينما يتجاهل أن هذه الدعوى استندت إلى اتفاقية منع الإبادة الجماعية نفسها التي دعمتها إسرائيل تاريخيًا. في الوقت الذي يحتفي فيه الكاتب بتوقيع “صفقة السلام” في شرم الشيخ، لا يتطرق إلى مضمونها ولا إلى مصير الفلسطينيين في غزة، بل يحوّل الحدث إلى فرصة لتجريم كل من عارض العدوان أو طالب بمحاسبة المسؤولين عنه.
يستدعي المقال شخصيات مثل راي هارتلي وجريج ميلز لتأكيد أن “جنوب أفريقيا أصبحت أكثر تطرفًا من حماس”، وهي جملة تلخص نبرة النص بأكمله: شيطنة الموقف الأخلاقي وتحويله إلى تهمة، بينما يجري تلميع الأنظمة التي تتماشى مع التوجه الإسرائيلي بوصفها “عقلانية ومسؤولة”.
ينتهي المقال بجملة رمزية تحمل استعلاءً أخلاقيًا زائفًا: “الأمة التي اشتهرت بالمصالحة وجدت نفسها معزولة عن مائدة السلام”. لكنه يتجاهل أن “مائدة السلام” التي يتحدث عنها كانت خالية من الفلسطينيين الحقيقيين، ومفتوحة فقط لمن وافقوا على سردية المنتصر.
تكشف لغة المقال أن كاتبه لا يصف حدثًا دبلوماسيًا بقدر ما يشارك في حملة سياسية لتشويه جنوب أفريقيا وإعادة صياغة المشهد الإقليمي بما يخدم إسرائيل وحلفاءها. فبدلاً من مساءلة أسباب الحرب أو آثارها، يختزل الكاتب القضية كلها في “خطر الإسلاميين”، ليبرّر التحالف الأمني بين القاهرة وتل أبيب وواشنطن.
في النهاية، لا تبدو “عزلة” جنوب أفريقيا كما يصوّرها شوفيتز ضعفًا، بل موقفًا مبدئيًا في وجه نظام دولي يُكافئ القوة ويتجاهل القانون. أما المقال نفسه، فليس تحليلًا سياسيًا بقدر ما هو محاولة لإعادة بناء خطاب ما بعد الحرب وفق شروط المنتصر — حيث يُسمّى التواطؤ “سلامًا”، وتُوصف العدالة بـ“الانحياز”.
https://www.jns.org/why-south-africa-did-not-have-a-place-at-the-sharm-el-sheikh-summit/

